الإســم:-
" بلاد السودان " إسم أطلقه العرب علي ذلك الجزء من القارة الإفريقية ، ويقع جنوب الصحراء الكبرى ، ويمتد من المحيط الأطلسي غربـاً إلي البحر الأحمر والمحيط الهندى شرقـاً ، بينما تُعرف بهذا الإسم الأن الرقعة التي تقع جنوب مصر في الجزء الأوسط من حوض النيل ، أى سودان وادى النيل علي وجه التحديد .
يحتل سودان اليوم قي حدوده السياسية مليون ميل مربع ، ويُحد شمالاً بجمهورية مصر والجماهيرية الليبية ، وجنوبـاً بكينيا ويوغندا والكنغو ، وغربـاً بتشاد و أفريقيا الوسطى ، وشرقـاً بأثيوبيا وأرتريا والبحر الأحمر . لكننا نتناول هنا الجزء شمال خط العرض الثالث عشر .
أهـم الظواهر الجغرافية في السودان :-
نهر النيل الذي يجري متجهـاً من أواسط أفريقيـا إلي البحر المتوسط .
طقس السودان :
يمكن وصف طقس السودان بأنه صراعُُ بين الرياح الشمالية والجنوبية ، ففي الشتاء تهب من الشمال رياح باردة جافة ، أمـا الرياح الجنوبية فهي التي تجلب للسودان أمطاره.
السكان :
إن موقع السودان في الجزء الأوسط من حوض النيل جعل سكانه خليطـاً من عناصر مختلفة نزحت إليه من دول الجوار فالبلدان الجنوبية واقعة كلها تقريبـاً داخل نطاق العناصر الزنجية ، وإلي الشمال من السودان طغت السلالة القوقازية ، وتأثرت بلاد الشرق بالهجرات الحامية ، إلي الغرب الصحراء الليبية وفيها جماعات لها صفات البربر. وللسودان مجموعات عرقية إنفرد بها مثل " البجـة والمجموعات النيلية ".
اللغـة :
في عهد الدولة الوسطي عندما أحتل المصريون جزء اً من السودان ، ومعظم الأجزاء في عهد الدولة الحديثة ، أ صبحت اللغة الفرعونية هي اللغة الرسمية ولكن بعد أن تخلىالكوشيون عن مصر ، إنقطت الصلة بمصر وتلاشت معرفة الناس باللغة المصرية رويد اً رويداً ، عندها أطل علي كوش عهد كُتبت فيه اللغة الكوشية التي كانت لغة التفاهم بين الكوشيين قبل ظهور الكتابة الجديدة ، وهي الكتابة المروية نسبة لمدينة مروي التي تقع غلي الضفة الشرقية للنيل شمال محطة كبوشية “ أى قرية البجراوية الحالية “ والتي كانت عاصمة السودان ما بين القرن السادس قبل الميلاد والقرن الرابع الميلادى وتعرف اللغة المروية من عُدة كتابات أثرية وُجدت في وأدى النيل ما بين أسوان شمالاً وسوبا جنوبـاً .
* وكانت هذه اللغة تكتب علي نهجين : الهيروغليفية المروية ،والديموطيفية المروية ، ونقصد بذلك
الكتابه بالصور ، والكتابة بالحروف . وتتكون الحروف الهجائية للغة المروية من ثلاث وعشرين حرفـاً ، منها أربعه حروف معتلـة ، وتسعة عشر حرفـاً من الحروف الساكنة ، ولم تُحل رموزها حتي الأن .
ومن أهم المحاولات التي أُجريت في مجال دراسة هذه اللغة تلك الدراسات التي قام بها العالم الإنجليزي " قرفث" فقد كان من أوائل المهتمين بهذه اللغة والدارسيين لها ، ووضع خطوطـاً عامة لقواعد هذه اللغة ، كما قام بترجمة بعض النصوص التي كُتبت بها لحل رموزها .تلك الدراسات تعتبر الآن من أهم المراجع والمصادر التي نستقي منها المعلومات الخاصة بهذه اللغة ، فقد قام " قرفث"" بموازنة الرموز المروية بالصور الهيروغليفية ، كما تمكن من تعيين أصواتها .
ولمدة طويلة بعد " قرفث "لم تحظى اللغة المروية بدراسات تُذكر إلى أن جاء الـعالم النمساوي " نيهلارز " الذى نشر في عام 1928 قواعد اللغة النوبية مما أحدث تقدمـاً عظيمـاً في دراسة تلك اللغة ووضع أُسس ثابتة لدراستها وتوضيح مشكلاتها . ونشر " زيهلارز " دراسات هامة في عام 1930 ، حيث إستنتج أن اللغة المروية تنتمى إلي اللغات الحامية مثل النوبية القديمة واللغات البربرية في شمال أفريقيا واللغات الحامية في شرق أفريقيا مثل البجة والغـالا والصومال
ثم نشر البروفيسر " فيرتزهنتزا " عام ،1955 عرضـاً جديد اً فيما يتعلق باللغة المروية تناول فيه أراء "زيهلارز " بالنقد وإنتهى في دراسـاته إلي أن اللغة المروية لا صلة لها باى لغة أفريقيـة .
أخر بحث وصلنا في هذا المجال بحث " بروس ترقر " ، فقد تناول بالنقد والعرض جميع الأعمال التي قام بها العلماء من قبل ، وإنتهي إلي أن اللغة المروية لها علاقة باللغة النوبية وأنها تنتهي أصلاً إلي مجموعة اللغات المعروفة بالسودان الشرقي ، وقد إختلف العلماء في أصل اللغة النوبية ، فمنهم من يقول بأنها حامية الأصل ، وآخر يرى حامية أنها الأصل دخلتها مؤثرات أجنبية .
بعد أن أفل نجم مروي حلت اللغة النوبية محل اللغة المروية في سودان وأدى النيل ، ولما وصل المبشرون السودان و إعتنق أهله الديانات المسيحية رسميـاً في منتصف القرن السادس ، كُتبت اللغة النوبية بالأبجدية القبطية التي أضاف اليها النوبيون ثلاثة حروف لأصوات لا توجد في اللغتين القبطية والإغريقية وعليه فقد إستعملوا أربعة ثلاثين حرفـاً لكتابة هذه اللغة . تجدر الإشارة إلي أن اللغة النوبية مستعملة إلي يومنا هذا بلهجات ثلاثة :
الكنزية / المحسية / الدنقلاوية
أقدم الصلات بين السودان وغيره من البلاد :
إن موقع السودان بين غرب أفريقيا وأُمم الشرق مع إتصاله بالبحر الأحمر وإحتلاله شطراً كبير اً من وادى النيل وكونه يربط بين أُروبا ومنطقة البحر المتوسط وأواسط أفريقيا ، هذا الموقع الممتاز في ملتقي الطرق الأفريقية جعله يتبوأ مركز اً مرموقـاً بين أُمم القارة علي مدى العصور ، كما ظل علي إتصال دائم بجاراته وغير جاراته .
مصـر:
إن من الطبيعي أن تنشأ علاقات تجارية وثقافية وسياسية بين مصر والبلاد السودانية منذ الأزل ، فكان قدماء المصريين يذكرون " أرض الأرواح " أو " أرض الله " فقد بهرتهم خيرات السودان و إمكانياته المعدنية والحيوانية والزراعية والبشرية ، فإستفادوا منها في توطيد أركان دولتهم ثم أرسلوا الجيوش فإحتلوا أجزاء من بلاد السودان في عهد الدولة المصرية الوسطى وقاموا بإحتلال كل القطر حتي الشلال الخامس في عهد الدولة الحديثة ، وإنتفعوا بثرواته ونشروا ثقافاتهم ودياناتهم ،وأثرّت الحضارات المصرية في أهل السودان حتي صارت بلادهم في يوم من الأيام إقليم من أقاليم مصر نفسها .
أما من ناحيه أُخرى فقد بهرت أيضا مصر السودانيين في ظل مدنيتها العظيمة ، فنظروا إليها بعين الطامـعين أحيانـاً ، وغزوها وحكموها مـا وجدوا إلي ذلك سبيلا . لذلك نجد أن أكثر الحضارات والديانات التي إنتشرت في السودان منذ أقدم العصور جاءته من مصر أو عن طريقها .
اليـونان :
أما الإغريق فكانوا يسمون البلاد الواقعة جنوب مصر " أثيوبيا " وكانوا ينظرون إليها بنظرة إعجاب وتبجيل وقد ذكر " هوميروس " أن الألهة يجتمعون في السودان في عيدهم السنوي ، كما ذكر عاصمتها " مروي" ، وذكر " ديودورس " أن السودانين أول الخلق علي وجه البسيطة ، وأنهم أول من عبد الألهة وقدم لها القرابين ، وأنهم من علّم المصريين الكتابة، وفي العهد المروي كانت العلاقات وُدية بين البطالسة والسودانين وإزدادت هذه العلاقات في عهد " بطليموس الثاني " ونشطت التجارة في عهده .
وعلي العموم كانت العلاقـة وثيقة بين كوش واليونانين ، إذ نلاحظ بوضوح ثأثير الحضارة الإغريقية في الأثار التي تركتها لنا مروي .
الرومـان :
حينما غزا الرومان مصر وورثوها عن البطالسة حاولوا الإحتفاظ بالحدود الجنوبية لمصركما هي ، وبهذا إبتدأ عهد جديد في تاريخ العلاقات بين مصر الرومانية وبين ملوك كوش ، إذلم يعترف الكوشيون بحق الرومان في إقليم "روديكاشنوش" وبسطوا نفوذهم عليه بإعتباره جزء اً من بلادهم وزيادة علي ذلك فقد ساعدوا المصريين الذين ثـاروا علي الرومان عام 39 ق.م عندما ظهر جباة الضرائب لأول مرة في إقليم طيبة .
أقلقت كوش الرومان في مصر وهددت جيوشها سلام الحدود الجنوبية للإمبرطورية الرومانية ، حتى قرر الإمبراطور " دقلديانوس "إخلاء منطقة " روديكاشنوس " ونقل الحامية الرومانية من المحرقة إلي أسوان ، كما قدر أتاوة سنوية لأهل كوش علي أن لا يقوموا بعمل عدائي ضد روما ، وقد نجح هذا الإمبراطور في وقف غارات أهل كوش علي حدود مصر التى إستمرت خلال الثلاثة قرون التي سبقت عهده .
وتوضح أثار العهد المروي العلاقة الوثيقة بين الرومان والكوشيين خاصةً فيما يتعلق بفن العمارة .
الجزيرة العربية :
إن الصلة بين السودان والعرب قديمة ، ترجع إلي ماقبل الإسلام وهو ما تبرزه الحقائق الجغرافية والروايات التاريخيـة . فقد كان الإتصال عبر البحر الإحمر بين الشواطئ العربية و الإفريقيـة .
والتجارة من أهم أغراض هذا الإتصال ،فقد إزدهرت تجارة الصمغ والعاج والبخور والذهب بين الجزيرة العربية من ناحية وبين موانئ مصر والسودان والحبشة من ناحية أُخرى . وقد إتخذ العرب مراكزاً لهم علي الشاطئ الأفريقي ونزحوا منها إلي قلب أفريقيـا حتى وادى النيل ، أيضاً في الألفي سنة قبل الميلاد هاجرت جماعات عربية من جنوب الجزيرة العربية إلي الحبشة ، هذا وقد عبر في القرنين السابقين للميلاد عدد كبير من اليمنيين مضيق باب المندب وإستقر بعضهم في الحبشة ، وتحرك البعض الأخر مع النيل الأزرق ونهر عطبرة ووصلوا بلاد النوبة . ويحدثنا "إبن خلدون " عن حملات عسكرية قام بها الحميريون في وادى النيل الأوسط وشمال أفريقيا ، وتركت ورأها جماعات إستقرت في بلاد النوبة وأرض البجـة وشمال أفريقيـا .
إضافة إلي كل هذا فقد كانت للسودان علاقات مع ليبيا منذ قديم الزمان ، كما كان متصلاً بالحبشة ، وفي الأثار السودانية نلمس إتصال مملكة مروي بالحضارة الهندية .
وهكذا يتضح أن السودان كان علي صلة دائمة بكثير من شعوب الأرض في العصور القديمة .
مصادر تاريخ السودان القديم :
لا شك أن الإكتشافات الأثريه القديمة هي أساس المعرفة بتاريخ السودان القديم في العصور الحجرية ، وكذلك ما أظهرته الحفريات الأثرية فيما يتعلق بتاريخ السودان من حوالي عام 3100 ق. م إلي 2000 ق. م أى بداية العصر التاريخي في هذه البلاد . كما أن من أهم مصادر تاريخ السودان ما تركه قدماء المصريين في مصر عن السودان .
أما عن تاريخ الفترة التي تمتد من القرن الثامن قبل الميلاد إلي القرن الرابع الميلادي، فتأتي أخبارها من الكتابات التي تركها السودانيون علي جدار معابدهم ومما وُجد من معلومات في الأهرامات التي بناها ملوك نبتـة ومروي . ولا سبيل إلي كتابة تاريخ واضح عن السودان ما بين القرن الرابع والرابع عشر الميلاديين الا بالإلتجاء إلي الأثار لإستقاء المعلومات اللازمة من المخلفات الأثرية للديانات والكنائس والمساكن . وبجانب الأثار هنالك عدة كتابات لكُتاب رومان وإغريق وعرب إلا أن معظمها يعتمد علي الإشارة والتلميح كما أن بعضها به كثير من الأوهام .
ومن كل ذلك يتضح أن أن كتابة قصة الحضارة في السودان تعتمد علي الأثار وهو ما يُبًين أهمية الأثار في السودان ويبرر الإعتناء والإهتمام بها .
تاريخ البحث الأثري في السودان :
لم يبتدئ فحص السودان أثريـاً إلا في الربع الأول من القرن التاسع عشر عندمـا زار كثير من الرحالة الأوُربيين السودان وإهتموا بآثاره وبدأوا يكتبون عنها بشئ من التفصيل ،
وأول من قام بزيارة السودان من الأُروبيين الطبيب " جاراس بونيست " في عام 1698 م ، وقد ذكر عادات سكان دنقلا وطعامهم . ومن أشهر الرحالة في القرن الثامن عشر " جيمس بروس" الأُسكتلندي ، الذي زار السودان عام 1772م وكتب كثير من المعلومات القيمة عن مملكة سنار .
وهنالك أُوربـي ثالث قام بزيارة السودان عام 1793 م وهو " براون " وقد سافر إلي دارفور وكتب عن حكوماتها وعن التجارة والسكان وعاداتهم في نهاية القرن الثامن عشر .
وفي عام 1813 م وعام 1814 م قام المستشرق المشهور والرحالة الكبير" جون لويس بركهاردت "
بزيارة السودان وجمع حقائق عن حالة السكان وحياتهم ، كما ذكر الكثير عن المعابد المصرية التي زارها أثناء ترحاله . لكن لم يبتدئ البحث الأثري بالمعني الصحيح في السودان الابعد زيارة "جورج وادنغتون وبيرنارد هانبري" إلي الأقاليم السودانية ، فقد وصلا إلي السودان في عام 1820 م وقاما بزيارة المواقع الأثرية المشهورة ، كما قامـا بعمل خُرط ورسوم لأهرام البركل ونوري ، وكذلك المعابد التي زاراها في شمال السودان . وكان نشر أعمالهما علي العالم المتحضر بدأية دراسة الأثار في السودان .
وفي نفس العام زار السودان رجل أثار فرنسى يدعى " كايود " قام بفحص الأثار علي ضفتى النيل ما بين وادى حلفا وسنار فحصـاً دقيقـاً وكان يقوم بأخذ مقاسات المباني الأثرية ورسم خرط لهـا ، كما كان يرسم لهـا صور اً ومناظر مما ساعد علي أخذ فكرة عن حالة الأثار في ذلك الوقت .
إضافة إلي كل ذلك فقد قام " كايود " بنقل الكتابات والمشاهد التي وجدها منقوشـة علي جدران المعابد التي قام بفحصها في السودان . والجدير بالذكر أن "كايود " هو أول أُروبي كتب عن الأثار المروية الشهيرة في المصورات الصفراء والنقعة وودبانقـا . هذا وقد نشر في عام 1826 م نتيجة رحلاته بعنوان " رحلة إلي مروي " . ومن أشهر الأُروبيين الذين قاموا بفحص أثار السودان فحصـاً علميـاً عالم المصريات الكبير " ريتشارد لبسيس " الألمانى ، وذلك بعد تعيينه في عام 1844 م ، إذ قام بعمل خُرط ورسوم دقيقة لجميع الأثار التي وجدها في السودان من معابد وأهرام .
وقد نشر نتيجة أبحاثه في مؤلفات ضخمة ظهرت في عدة أجزاء . وينتهي القرن التاسع عشر فيما يتعلق بتاريخ البحث الأثري في السودان بأعمال " ولس بدج " الإنجليزي حيث قام بالتنقيب في أهرام مروي في عام 1903 م . ثم أُرسل " بدج " من ٍقبل أُمناء المتحف البريطاني في عام 1905 م ، ليقوم بجمع بعض القطع الأثرية لتكون نواة لمتحف في الخرطوم حسب رغبة " ونجت باشا " حاكم عام السودان آنذاك .
أما في بدأية القرن العشرين فقد إقتنع العالم المتمدن بأهمية تأريخ السودان القديم وآثاره . فقد قامت ما بين عام 1909- 1910 م ، بعثة من جامعـة بنسلفانيا بقيادة "راندال مكايفر وليونارد وولى " بالتنقيب في منطقة بوهين ، وقامت هذه البعثة بإنجاز دراسات هامه عن النوبة ما بين فرس والشلال الثاني علي ضفتي النيل .
ثم تأتي جامعة أُكسفورد التي أرسلت بعثات أثرية متـعددة قامت بإكتشافات هامة في كل من فرس ، عبد القادر، نبتـة ،مروي القديمة ، فركة، جنوب وادى حلفا ، الكوة ، ومنطقة دنقلا .
ومن أهم الأعمال الأثرية التي أُنجزت في السودان ما قامت به بعثـة جامعة هارفارد بقيادة عالم الأثار الأمريكي الدكتور " رايزنر" وكان أول نشاط لهذه البعثـة التنقيب في كرمة بمنطقة دنقلا عام 1923 م ، ونشرت نتيجة الأبحاث في الجزء الخامس والسادس من سلسلة الدراسات الأفريقية لجامعة هارفارد .
كما قام الدكتور " رايزنر" ما بين عامي 1919 - 1923 م ، بإجراء حفريات هامة في منطقة جبل البركل ومروي . وكذلك تم تنقيب الأهرام الملكية في البجراوية ، إضافـةً إلي كل هذا نقبت بعثـة جامعة هارفارد عن خمـسة من أهم الحصون التى شُيدت في السودان في عصر الدولة المصرية الوسطى .
ومن البعثات الأجنبية التي عملت في السودان، جمعية البحث عن الأثار المصرية ، فقامت البعثة برئاسة بروفسور " فيرمان " بإجراء حفريات أثرية في موقعين هامين في مركز وأدى حلفـا هما عمارة غرب ، وسيسي " مدينتان محصنتان من الدولة المصرية الحديثة وفيهما معابد بُنيت من الحجر الرملى ".
ولا يكون حديثنا عن البحث الأثرى كاملاً إلا إذا ذكرنا بعض الأعمال التي قامت بها مصلحة الأثار السودانية في منتصف هذا القرن . فقد أجرت المصلحة حفريات تتعلق بعصر ما قبل التاريخ في مدينة الخرطوم في عام 1944 و 1945 م ، وكذلك في قرية الشهيناب علي الضفة الغربية من النيل شمال الخرطوم وذلك في عام 1949و1950 م ، إضافة إلي ذلك نقبت المصلحة في موقعين هامين يرجع تاريخهما إلي العصر المسيحي هما سوبـا بالقرب من الخرطوم ، ودير الغزالة بالقرب من مدينة مروي الحديثة . وكان هذا ما بين عامي 1950 و 1954 م .
موجز تأريخ السودان القديم
العصور الحجرية :
إن الهدف الرئيسي الذى يرمى إليه علم الأثار هو إلقاء الضوء علي تأريخ البشر في العصور الغابرة ، وبما أن الأبحاث الأثرية لم تحدث في السودان الا علي نطاق ضيق جد اً فيما يتعلق بالعصور التي سبقت التاريخ ، فإن المعلومات عن تلك العصور محدودة ، ولكن عُلم من الأدوات الحجرية التي وُجدت علي سطح الأرض أن الإنسان سكن السودان في العصور الحجرية ، فمن الحفريات التي أجرتها مصلحة الأثار السودانية نجد أن جنسـاً زنجيـاً إتخذ أول خطوة معروفة نحو الحضارة في السودان حتى الأن ، وكان ذلك بصناعة الفخار وإستعماله . ومن الجماجم التى وُجدت لهؤلاء الناس يتضح أنهم يختلفون عن أى جنس زنجي يعيش اليوم . وكان هؤلاءالسكان - وهم سكان الخرطوم القديمة - يعيشون على صيد الأسماك والحيوانات بجانب جمع الثمار من الأشجار .
أمـا سكان الشهيناب فيختلفون عن سكان مدينة الخرطوم القديمة ، وكذلك تختلف أدواتهم الحجرية والفخارية ، وحرفتهم الصيد .
ومن الملاحظ أن هنالك ظواهر مشتركة في ثقافة الشهيناب وثقافة الفيوم التى تعتبرمن العصر الحجرى الحديث ، ومن هذه الظواهر :
· إزدياد إستعمال المواقد والنار للطبخ .
· عدم وجود الجبانات - المقابر- في مكان السكنى .
· إستئناس بعض الحيوانات .
· صقل الفخار وصناعة الخزف من حجر الأمزون .
وتفيد إختبارات الكربون المشع بأن الحضارتين إزدهرتـا حوالي 3900 ق.م .
المجموعة الحضارية الأُولي :
لا يُعرف شيئـاً عن السودان علي وجه التحقيق ما بين عامي3800 و3100 ق. م ، عندما إزدهرت في مصر حضارات ما قبل الأُسر . ولكن وُجدت عدة قبور في أماكن مختلفة في بلاد النوبة تمثل ثقافة لم تُعرف هناك من قبل يبتدئ تأريخها عام 3100 ق.م ، وسماها الذين قاموا بإكتشافها " حضارة المجموعة الأُولي " ، ومن الأواني الفخارية والأدوات النحاسية التي وُجدت في هذه القبور التي أُستوردت من مصر ، يتضح أنها تعاصر الأُسر المصرية الأُولى ، وينتمي منشئو هذه الحضارة إلي جنس البحر الأبيض المتوسط .
ويقول بعض العلماء أن حضارة أُخري تُعرف" بحضارة المجموعة الثانية " تلت ثقافة المجموعة الأُولي وأغلب الظن أن العلاقات السياسية بين مصر والسودان بدأت في عهدهم أمـا في عهد الأُسرة السادسة فقد بيًنت النقوش أنه بدأت صفحة جديدة من تاريخ العلاقات التجارية بين السودان ومصر .
المجموعة الحضارية الثالثة :
في الفترة مـا بين 2240 ق.م - 2150 ق .م ، أى مـا تقابله في التاريخ المصري الفترة الواقـعة بين الأُسرة السادسة وظهور الأُسرة الحادية عشرة ظهرت في بلاد النوبة حضارة تُعرف بثقافة المجموعة الحضارية الثالثة ، وينتمي الذين أنشأُوها إلي جنس البحر المتوسط ، ولو أن بهم شيئـاً من العنصر الزنجي ، أمـا من الناحية الحضارية فقد أخذوا الكثير من الثقافات التي سبقت مجيئهم إلي البلاد .
عهد الدولة المصرية الوسطى :
في عصر المجموعة الثالثة قامت مصر بأول محاولة للإحتلال الفعلي لجزء من الأراضي السودانية وحدث الإحتلال في أيام الأُسرة الثانية عشرة . فقد تم غزو السودان حتى منطقة سمنة التى بُنيت فيها حصون منيعة ، وقوة هذه الحصون البالغة ستة عشرة حصنـاً تُعد شاهد اً علي قوة ومنعة السكان الأصليين .
كرمة وحضارتها :
تدل الحفريات في كرمة أن " امنمحات الثالث" قام بعمل ترميمات في بناء مصري هنالك يدعي "سور إمنمحات " ، وهنا نعلم أنه كان للمصريين مركزاً تجاريـاً في كرمة ، وكان لوجوده أثر كبير فيما يتعلق بالعلاقات الثقافية والتجارية بين مصر والسودان . وكان نتيجة ذلك مـا يُعرف عند علماء الأثار "بثقافة كرمة " .
ومن مميزات هذه الحضارة تلك المقابر التي أُكتشفت في كرمة علي هيئة أكوام من التراب مستديرة الشكل ، تحيط بها قطع من الحجر ، وفي داخلها مبني في وسطه دهليز .
ولكن أهم مايميز حضارة كرمة ذلك الفخار الممتاز الذي يُعرف عند علماء الأثار " بخزف كرمة " ، والذي يُعتبر أجود خزف عُرف في وأدى النيل منذ فجر التاريخ .
السودان في عهد الدولة المصرية الحديثة :
عندما طرد " أحمس مؤسس الأُسرة الثامنة عشرة الهكسوس من مصر ، وجه همه إلي بلاد النوبة ، وشرع بتنفيذ سياسة توسعية نحو السودان ، ثم جاء " تحتمس الأول " ثالث ملك في هذه الأُسرة ، ووسع نفوذ مصر ، وتم الإخضاع التام للسودان في عهد " تحتمس الثالث " عندما إحتل السودان حتي الشلال الرابع وإستمر الإحتلال لمدة ستة قرون . وفي هذه الفترة إعتنق السودانيون الديانة المصرية وعبدوا ألهتها وتثقفوا بثقافاتها حتي صار السودان جزءاً لا يتجزأ عن مصر ، أمـا إدارة السودان فكان فراعنة الدولة الحديثة يعينون نوابـاً عنهم لإدارة البلاد السودانية .
وقد لعب السودانيين دوراً أساسيـاً في حياة مصر الإقتصادية في الدولة الحديثة ،وذلك بإستفادة مصر من موارده وثرواته المتعددة مثل الذهب ، وخشب الأبنوس ، سن الفيل ، العطور ، البخور ، ريش النعام ، الفهود وجلودها ، الزراف ، كلاب الصيد ، والماشية .
وفي هذا العصر بلغت البلاد السودانية أقصى درجات رُقيها ، إذ إزداد الرخاء وإتسعت التجارة بين البلدين وطُبعًـت حضارة السودان بالطابع المصري في جميع مرافقها .
مملكة نبتـة :
لاشك أن الإحتلال المصري الطويل للسودان قد أثار الوعي القومي ونبه أهل السودان الأصليين إلي أهمية بلادهم وكثرة خيراتها ، فإستغلوا أول سانحة لاحت لهم وهي تدهور الإمبراطورية المصرية ، فنجح "كشتـا " أول عظماء الملوك في كوش في إسترداد إستقلال بلاده ، و إقامة عاصمة لمملكتة في " نبتـه " الواقعة أسفل الشلال الرابع . وتمكن "إبن كشتـا وخلفه " الملك بعانخي " من إحتلال مصر وإخضاعها عام 725 ق. م ،وأسس دولة إمتدت من البحر المتوسط حتي مشارف الحبشة . وهكذا صارت كوش قوة لا يجهلها أحد . ولكن عندما غزا مصر الأشوريين وإستخدموا الحديد كسلاح فاعل في ذلك الوقت أجبروا كوش علي الرجوع إلي الوراء داخل حدودها الأصلية ، هذا وقد حكم الكوشيون مصر لمدة ثمانين عامـاً تقريبـاً .
وقد سارت المملكة علي النهج المصري في كل مظاهر الحياة والحضارة ، فقد كان "آمون " معبود الدولة الرسمي ، وإتخذ ملوكها الألقاب الفرعونية ، وشيدوا مقابرهم علي الطريقة المصرية وزينوها بالرسوم المصرية والنقوش الهيروغلوفية .
عهد مروي :
ثم يأتي القرن السادس قبل الميلاد فتنقل كوش عاصمتها إلي مروي من نبتـة ، وفي مروي نجد الأهرام الملوكية ، كما نري المعابد ومنها " معبد الشمس " ، الذي تسامع به الناس في كل ركن من أركان العالم المعروف . وتُرى في مروي أكوامـاً عالية هي أثار فضلات الحمم التي كانت تخرج من أفران صهر الحديد . فقد وصفت بأنها " برمنجهام أفريقيـا القديمة " .
وصارت مروي عاصمة جديدة لكوش خمسة قرون قبل ميلاد المسيح عليه السلام وثلاثة بعد ميلاده ، وهي تنشر النور حولهـا من عقائد وأفكار وقدرات فنية . وكانت كوش أكثر الحضارات التي نشأت في أفريقيـا تميزاً بطابعها الأفريقي . ولكنها إستفادت كثيراً من مظاهر الحياة من حولها . وشواهد هذا بيّنة في معابد النقعة ، فعلى الجدار الخلفي من معبد الأسد نقش الأقدمون أسد اً إلهـاً له أربعة أزرع ، وثلاثة رؤوس ، ويظن العلماء أن هذا النوع من الفن تسرب إلي هذه البلاد من الهند . وعلي مسافة قريبة من هذا المعبد يقوم بناء يظهر فيه التأثير الروماني ، إضافة إلي ذلك هنالك أثاراً كثيرة تبين أن حضارة كوش كانت غربلة أفريقية للأراء والأساليب والمعتقدات ، تأخذ منها مـا ينفعها وتضيف إليها مـا إبتدعته .
وتُوجد في قبور كوش الملكية والشعبية معابدُُ تاريخيةً تمتد لألف عام ، يأتي بعدها الخطر من جنوب الجزيرة العربية ، عندمـا هاجر قوم من هناك إلي داخل الحبشة ، وأنشأوا دولة أكسوم التي قويت وإستطاعت أن تحول بين كوش وشرق القارة الأفريقية والمحيط . وبالتدريج تمكنت هذه الدولة من قـهر كوش عندمـا قام " عيزانا " أول ملك مسيحي لها بـغزو كوش وتحطيم عاصمتها مروى عام 350 م .
المجموعة الحضارية :
وبعد عصر مروي مرت علي السودان فترة غامضة لا يُعرف عن أخبارها الأ النذر اليسير ، فقد جاء البلاد قوم لم يكتشف الأثريون بعد إلي آى جنس ينتمون ويسميهم علماء الأثـار " المجموعة الحضارية " . ويمتد عصرهم من سقوط مروي في القرن الرابع الميلادي إلي ظهور المسيحية في السودان في القرن السادس ، ومن أثرهم المقابر التي وُجدت في أماكن كثيرة في شمال السودان .
العصر المسيحي :
قامت علي أنقاض مروي ثلاثة ممالك نوبية . فكانت في الشمال مملكة النوباطيين التي تمتد من الشلال الأول إلي الشلال الثالث وعاصمتها " فرس" . ويليها جنوبـاً مملكة المغرة التي تنتهي حدودها الجنوبية عند "الابواب " التي تقع بالقرب من كبوشية جنوب مروي القديمة ، وهذه المملكة عاصمتها " دنقلا العجوز " ، ثم مملكة علوة وعاصمتها " سوبا " التي تقع بالقرب من الخرطوم .
وصلت أول بعثة أُرسلت من القسطنطينية إلي بلاد النوبة برئاسة قس يُدعي " جوليان " عام 543 م ، بمساندة الإمبراطورة " ثيودورا " ، وقد مكث " جوليان " في بلاد النوبة ونجح في نشر المسيحية بين النوبيين الوثنيين ، ثم خلف " جوليان " " لونجينس" وذلك عام 569 م ، وقضى فترة سبع سنوات وهو يعمل بين النوباطيين ، ثم سافر إلي الجنوب عام 580 م . وكانت مملكتي النوباطيين وعلوة تؤمنان بمذهب اليعاقبة ، بينما كان أهل المغرة يدينون بالمذهب الملكانيّ.
إتحدت مملكتا النوباطيين والمغرة فيما بين عامي 650- 710 م وصارتا مملكة واحدة ، ومكًن إتحادهما من قيام مقاومة قوية ضد غارات العرب من ناحية ، وإنهاء الصراع السياسي الديني من ناحية أُخري ، مما ساعد علي التطور الثقافي . وصلت النوبة قوة مجدها وأوج قوتها في القرن العاشر الميلادي وكان ملك النوبة المدافع الأول عن بطريق الإسكندرية .
ولما إعتلي عرش النوبة ملك يُدعي " داود " عام 1272 م قام النوبيون بهجومٍ علي " عيذاب " المدينة العربية علي ساحل البحر الأحمر . وكان هذا أخر عمل عدواني للدولة النوبة .
بعد ذلك دخلت مملكة النوبة في عهد المؤامرات وإستمر الحال هكذا إلي أن إنهزم " كودنيس " أخر ملك علي مملكة " دنقلا " عام 1323 م ، وإنتهت الدولة المسيحية ، وصارت البلاد مفتوحة أمام العرب وإنتشر الإسلام .
أمـا مملكة علوة فلا توجد معلومات تاريخية عنها الا مـا كتبه إبن سليم الأسواني وأبو صالح الأرمني في القرن الثالث ، وسقطت هذه المملكة عام 1504 م علي يد الفونج .
الحضارة النوبية المسيحية :
تعتبر الكنائس أهم مظاهر الحضارة السودانية في العصر المسيحي ، وهذه الكنائس علي طراز الباسلكا الذي كان شائعـاً في العالم البيزنطي . والكنيسة النوبية مستطيلة الشكل ، فيها ممران من الجهة الشمالية والجنوبية ، تفصلهما من صحن الكنيسة سلسلة من الأعمدة . وعند طرف الكنيسة الشرقي نجد قبة من الداخل وأمامها المذبح ، ويُعرف هذا الجزء بالهيكل ، أمـا المنبر فيوجد بالقُرب من آخر عمود من الناحية الشرقية من الممر الشمالي ، وفي الجزء الغربي من الكنيسة برجان : أحدهما في الركن الجنوبي والأخر في الشمالي ، أمـا المداخل فهي في الجدران الشمالية والجنوبية . والزخرفة عبارة عن رُسوم ونُقوش
المصدر :
أضغط هنا