معاذ بن جبل في كتاب صور من حياة الصحابة لرأفت الباشا .

لما أشرقت جزيرة العرب بنور الهدي والحق ، كان الغلام اليثربي معاذ بن جبل فتي يافعاً . وكان يمتاز من أترابه بحدة الذكاء ، وقوة العارضة وروعة البيان ، وعلو الهمة . وكان إلي ذلك قسيماً وسيماً أكحل العين وجعد الشعر براق الثنايا ، يملأ عين مجتليه ويملك عليه فؤاده . أسلم الفتي معاذ بن جبل علي يدي الداعية المكي مصعب بن عمير . وفي ليلة العقبة امتدت يدُهُ الفتية فصافحت يَدَ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وبايعته . فقد كان معاذ مع الرهط الاثنين والسبعين الذين قصدوا مكة ، ليسعدوا بلقاء
رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشرفوا ببيعته ،وليخطوا في سفر التاريخ أروع صفحة وازهاها ....
وما إن عاد الفتي من مكة إلي المدينة حتي كون هو ونفر صغير من لداته جماعة لكسر الاوثان ، وانتزاعها من بيوت المشركين في يثرب في السر أو في العَلَن .
ولما قدم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم علي المدينة مهاجراً ،لزمه الفتي معاذ بن جبل ملازمة الظل لصاحبه ،فأخذ عنه القرآن ، وتلقي عليه شرائع الاسلام ،وحتي غدا من أقرأ الصحابة لكتاب الله ، وأعلمهم بشرعه ...
حدث يزيد بن قطيب قال : دخلت مسجد حمص فإذا أنا بفتي جعد الشعر ، قد اجتمع حوله الناس فإذا تكلم يخرج من فيه نور ولؤلؤٌ . فقلت : من هذا ؟! فقالوا : معاذ بن جبل .
وروي ابو مسلم الخولاني قال : اتيت مسجد دمشق ؛ فإذا حلقة فيها كهول من اصحاب محمد صلى الله عليه و سلم وإذا شاب فيهم أكحل العين براق الثنايا ، كلما اختلفوا في شئ ردوه الي الفتي ؛ فقلت لجليس لي : من هذا؟! فقال معاذ بن جبل .
ولا غَرْوَ فمعاز رُبِّيَ في مدرسة الرسول صلوات الله وسلامه عليه منذ نعومة الاظفار وتخرج علي يديه فنهل العلم من ينابيعه الغزيرة وأخذ المعرفة من معينها الاصيل ، فكان خير تلميذ لخير معلم .وحَسْبُ معاذ شهادة أن يقول عنه الرسول : :( اعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل ) ، وحسبه فضلاً علي أمة محمد أنه كان أحد النفر الستة الذين جمعوا القران علي عهد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه .ولذا كانوا اصحاب الرسول اذا تحدثوا وفيهم معاذ بن جبل نظروا إليه نظرة هيبة له وتعظيما لعلمه .
اللهم انك كنت تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فها لغرس الاشجار ، وجري الانهار ... ولكن لظمأ الهواجر ، ومكابدة الساعات ، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر اللهم فتقبل نفسي بخير ما تتقبل به نفسا مؤمنة .
ثم فاضت روحه الطاهرة بعيدا عن الاهل والعشير وداعيا الي الله مهاجراً في سبيله ... فرضي الله عنه وعن سائر الصحابة الكرام وصلى الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد رسوله الكريم وعلى اله وكل محب وتابع الي يوم الدين ...

وللحديث عن سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه بقية تم اختصارها من كتاب (صور من حياة الصحابة ، للدكتور عبدالرحمن رأفت الباشا ) ... يمكن الحصول عليه من الرابط المرفق :