د. محمد بن عبدالرحمن الحيدر *
تنشر بعض الصحف والمجلات من حين لآخر مقالات عن مخاطر خطوط الجهد العالي والهاتف الجوال دون ذكر أو توثيق لمصادر المعلومات. لذا رأيت ان أبدأ في الجزء الأول من هذه المقالة الكتابة عن المجالات أو الحقول التي تحدثها خطوط القوى الكهربائية مستنداً في ذلك على مصادر موثوقة سأذكرها وكذلك مواقعها على الإنترنت حتى يتمكن من يريد الاستزادة من الذهاب إلى تلك المواقع خاصة ان المعلومات تتجدد كل فترة، ومن أبرزها معهد مهندسي الكهرباء البريطاني (IEE) المسجل في المملكة المتحدة كجمعية خيرية غير ربحية تأسست عام 1871م وهي أكبر جمعية هندسية مهنية في أوروبا ويصل عدد أعضاءها إلى حوالي 140000عضواً وعنوانها على الإنترنت هو (
www.iee.org.uk) وبناءً على ما نشرته بعض الصحف والمجلات وبعض التقارير عن مخاطر الحقول الكهربائية والمغناطيسية قررت هذه الهيئة عام 1992م تكوين لجنة من متخصصين في علم الأحياء وعلم الأوبئة والفيزياء والهندسة يعملون في الجامعات والمستشفيات والصناعة والهيئات التنظيمية مما يُعطي بُعداً معرفياً ومهنياً لاستنتاجاتها.
تصدر هذه اللجنة تقريراً كل سنتين تقريباً يوضح فيه وجهة نظرها عن تأثير الموجات الكهرومغناطيسية على البشر، مستعينة بما تنشره آلاف المجلات العلمية المتخصصة في كافة أنحاء العالم، مستخدمة قواعد معلومات كبرى وهي (INSPEC) وتهتم بمواضيع الفيزياء والهندسة الكهربائية وتقنية المعلومات وقاعدة المعلومات الثانية هي (MEDLINE) وتنشر ملخصات 3900مجلة في المجالات الطبية والحيوية أما قاعدة المعلومات الثالثة فهي (BIOSIS) فتنشر ملخصات 6000دورية في علوم الأحياء والحيوان والعلوم الطبية الحيوية. كونت اللجنة عام 1992م لدراسة تأثير الحقول الكهربائية والمغناطيسية - من مصادر القوى عند تردد 50أو 60هيرتز - على صحة الإنسان. وفي عام 1998م توسع نطاق عمل اللجنة ليشمل تأثير الحقول الكهرومغناطيسية حتى 300جيجاهرتز ( 300ألف مليون هرتز) ولعل أهم ترددات معنية هي التي تعمل عليها أجهزة الجوال وهي 900ميجاهرتز و 1800ميجاهرتز. ركزت الدراسات في البداية على تأثير الحقول الكهربائية والمغناطيسية التي تصاحب خطوط القوى الكهربائية عند تردد 50أو 60هرتز، وبالذات خطوط الجهد العالي. بما أنني سأتحدث في الجزء الأول من هذه المقالة عن تأثير خطوط القوى الكهربائي
ة، لذا لابد من تعريف مبسط للحقول الكهربائية والمغناطيسية، حيث تصدر الأولى لمجرد وجود جهد كهربائي على الأسلاك، أما الحقول المغناطيسية فهي تصاحب مرور التيار في الأسلاك، يزداد الحقل الكهربائي بزيادة الجهد، أما الحقل المغناطيسي فيزداد بزيارة التيار. لا تقتصر تلك الحقول على خطوط الجهد العالي، بل هي موجودة في منازلنا تصدر من أسلاك الكهرباء والأجهزة الكهربائية المنزلية، غير ان مستواها منخفض نسبياً، فالحقل الكهربائي نتيجة الأسلاك داخل المنزل في حدود 20فولت لكل متر. أما ما يصدر من خطوط الجهد العالي فهو 10000فولت كل متر، ومن الأجهزة الكهربائية داخل المنزل في حدود 200فولت لكل متر أما الحقول المغناطيسية فهي , 005ميكرو تسلا (تسلا هي وحدة قياس للحقل المغناطيسي وميكرون هو واحد على مليون) لأسلاك المنزل، وحتى 100ميكرو تسلا من خطوط الجهد العالي وحتى 1000ميكرو تسلا من الأجهزة المنزلية، ولمعرفة ما تعنيه هذه الأرقام لا بد من الرجوع إلى هيئات متخصصة تحدد المستويات الآمنة من الحقول الكهربائية والمغناطيسية. الهيئة الأولى من المملكة المتحدة، وتسمى المجلس الوطني للحماية من الاشعاع (NRPB) وعنوانها على الإنترنت هو (
www.nrpb.org.uk)، أما الهيئة الثانية فهي الهيئة العالمية للحماية من الاشعاع غير المؤين (ICNIRB) وعنوانها على الإنترنت هو (
www.icnirp.de).الهيئة الأولى (NRPB) حددت الحد الأقصى الآمن للحقل الكهربائي ب 12ألف فولت كل متر و 1600ميكرو تسلا للحقل المغناطيسي. أما الهيئة وهي (ICNIRB) فإن معاييرها أكثر شدة إذ حددت المجال الكهربائي الآمن ب 5آلاف فولت لكل متر، والمجال المغناطيسي ب 100ميكرو تسلا. وأنا أميل إلى توصيات الهيئة العالمية للحماية من الاشعاع غير المؤين (ICNIRB) والتي تعني ان الحقول الكهربائية والمغناطيسية داخل المنزل تقع ضمن الحدود الآمنة، ولابد من الإشارة هنا إلى ان الحقول آنفة الذكر تولد تيارات كهربائية في المخ والجهاز العصبي المركزي والتي قد تحد من عمل المخ والجهاز العصبي المركزي في حالة زيادتها عن حد معين والمعايير الصادرة من الهيئات آنفة الذكر تحد من حصول هذه التأثيرات في حالة عدم الزيادة عن الحد الأقصى المسموح به.
أشارت بعض التقارير إلى ازدياد حالات سرطان الدم عند الأطفال نتيجة تعرضهم لحقول كهربائية ومغناطيسية للساكنين في حدود 50متراً من خطوط الجهد العالي، ولإثبات هذه النتيجة من عدمه، لابد من مزيد من الدراسات في هذا المجال، وقد تم تقسيم الحقل المغناطيسي الصادر من خطوط القوى إلى أربع مجموعات حسب قيمة الجهد والتيار في تلك الخطوط، وكذلك القرب والبعد منها (1) وهذه المجموعات هي مرتفع جداً في حدود خمسة عشر متراً من خطوط الجهد العالي الهوائي ومرتفع للمسافة الواقعة بين 15متراً و 40متراً، أما بين 40و 45متراً فهو منخفض.
أما ما يخص خطوط التوزيع الهوائية عند جهد 220/127فإن الحقل المغناطيسي منخفض، أما الخطوط المسلحة المدفونة أو ضمن مواسير معدنية فإن الحقل المغناطيسي المنبعث منها ضعيف جداً. إن المواصفات آنفة الذكر هي مواصفات أمريكية للساكنين على مقربة من خطوط الجهد العالي وتعرف باسم (wire code) ولا يزال الجدل قائماً منذ سنوات عن علاقة مرض السرطان عند بعض الأفراد، وبالذات سرطان الدم عند الأطفال والحقول الناتجة من خطوط الجهد العالي الهوائية لأن المؤثرات في حياتنا العصرية لا تقتصر على وجود تلك الحقول فحسب بل يدخل في ذلك استخدام المواد المضافة والحافظة في الغذاء وتلوث الهواء والضغوط النفسية والاجتماعية. والسؤال الآن هو: هل التعرض للحقول المغناطيسية والكهربائية الآمنة يسبب السرطان أو أي مرض آخر؟ والجواب لا. وهذا الجواب مبني على ما قدم من غالبية الدراسات حتى الآن. ولكن من قبل الحيطة ليس إلاّ لابد من عمل الآتي:
1- عدم السكنى قرب خطوط الجهد العالي الهوائية (الابتعاد مسافة 40متراً على الأقل).
2- إبعاد الأجهزة المنزلية عن الفراش (مثل راديو الساعة).
في هذا الجزء سأتحدث عن تأثير الهاتف الجوال على الصحة، حيث بدأ الاهتمام بتأثير الموجات الكهرومغناطيسية الراديوية على صحة الإنسان منذ الحرب العالمية الثانية، وكان اهتمام الباحثين هو التأثير البيولوجي على الإنسان وبالذات الإصابة بمرض السرطان وقانا الله وإياكم من شره. واجه الباحثون صعوبة وجود صلة بين الإصابة بالسرطان والموجات الراديوية بصفة عامة، وموجات الجوال بصفة خاصة ولا تزال الدراسات قائمة فيما يخص الجوال. وأكثر أنواع السرطان التي يظن ان للهاتف الجوال صلة بها هو سرطان المخ الذي يحتاج إلى سنوات أو عقود كي يصاب به المرء وقد يصيب ستة أشخاص كل 100000كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، ولو أردنا معرفة مدة طبيعة تكون المرض فإننا نحتاج إلى متابعة دقيقة لآلاف من الناس ممن يستخدم ومن لا يستخدم الجوال لسنوات أو عقود ويجب ان تكون الجوالات المستخدمة لها نفس المواصفات أو متقاربة طول مدة الدراسة. وفي دراسة أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية قام فريق من الباحثين (2) بدراسة حالات الوفيات لملفات 300000مستخدم للجوال ووجد ان السبب لازدياد تلك الوفيات هو نتيجة استخدام الجوال أثناء القيادة.
تعتمد الدراسات التي عملت وتعمل الآن على خمسة مصادر للمعلومات وهي:
1- الدراسات الوبائية.
2- الإحصائيات.
3- الدراسات المخبرية على الحيوانات.
4- دراسات على متطوعين.
5- المحاكات باستخدام الحاسب.
يستخدم نظام GSM في المملكة العربية السعودية ويعمل على ترددي 900ميجاهرتز و 1800ميجاهرتز والموجات الناتجة من هذا النظام هي موجات كهرومغناطيسية أو راديوية غير مؤينة وتقاس بالوات لكل متر مربع والمهم في ذلك هو القدرة التي تمتصها الأنسجة الحية وتمثل بمعدل امتصاص الطاقة النوعي ويرمز له ب SAR مقاساً بالوات لكل كيلوجرام والحد الأقصى المسموح به هو وات لكل كيلو جرام لمنطقة الرأس وهذا يعني ان الحقل الكهرومغناطيسي يجب ان لا يتعدى , 45وات/م 2عند تردد 900ميجاهرتز و 9وات لكل متر مربع عند تردد 1800ميجاهرتز. وعلى عكس ما يعتقد كثير من الناس فإن الحقول الكهرومغناطيسية الصادرة من جهاز الجوال تفوق تلك الصادرة من أبراج الجوال أو المحطات الإذاعية أو التلفزيونية، والتأثير المؤكد للحقول الصادرة من نظام الجوال هو رفع درجة حرارة الجسم بحيث لا تزيد عن 38درجة مئوية لمعظم أنحاء الجسم و 40درجة مئوية للأطراف وهذا التأثير يقل عن ما يحدثه الركض أو المشي السريع. أشارت بعض الدراسات إلى احتمال ان يسبب نظام الجوال سرطان الدم عند الأطفال ولكن لم يثبت ذلك حتى الآن وهناك دراسات كثيرة في أنحاء مختلفة من العالم لمعرفة تأثير الجوال على مستخدميه أو ا
لساكنين بالقرب من أبراج الجوال، ففي المملكة المتحدة مثلاً هناك 15مشروعاً بحثي بدأت هذا العام 2002م (
www.mthr.org.uk/index.html) لدراسة هذه التأثيرات. حتى الآن لا يوجد دليل علمي قاطع على ان الحقول الكهرومغناطيسية للجوال تسبب السرطان ولكن لا تزال الخبرة في هذا المجال حديثة نسبياً مما يتطلب مزيداً من الدراسات ومن قبل الحيطة وحتى تنتهي الدراسات القائمة حالياً ينصح بالآتي:
1- الاقلال من مرات وطول مدة استخدام الجوال.
2- استخدام سماعات الأذن لإبعاد الجوال عن الرأس.
3- اختيار جوال بأقل قيمة ممكنة من SAR (الحد الأقصى لمنطقة الرأس هو 2وات لكل كيلو جرام).
4- عدم استخدام الجوال عندما يكون الإرسال ضعيفاً لأن الجوال سيرسل أكبر قدرة لديه وهذه يتحكم بها من قبل البرج. (يتبع الحد الأقصى للقدرة المنبعثة من الجوال أقل من 2وات وينتج عنه SAR للرأس حوالي 1وات لكل كيلو جرام).
5- عدم استخدام الجوال أثناء قيادة السيارة.
6- عدم استخدام الجوال أثناء اقلاع أو هبوط الطائرة لتأثيره على الأجهزة الملاحية.
7- إبعاد الجوال عن منظم ضربات القلب.
8- قراءة دليل المستخدم المرفق مع الجوال والتقيد بالتحذيرات المذكورة فيه.
ولمزيد من المعلومات يمكن الذهاب للمواقع التالية:
www.doh.gov.uk/mobilephones/basestations.htmlwww.dfee.gov.uk/a-z/mobilephones.htmlwww.nrpb.org.uk/Absd12-1.htmختاماً أرجوا من الله ان يعافينا وإياكم ويقينا شر الأمراض.
*أستاذ قسم الهندسة الكهربائية
كلية الهندسة - جامعة الملك سعود