كادت السبل والوسائل إلى الله تعالى أن تندثر وتُنسى لولا أن الله عز وجل قيض للأمة الإسلامية أقطاب التصوف الذين أتوا لإحياء سنة وتعاليم رسول الله وصحابته الأجلاء رضوان الله تعالى عليهم، لقد كانوا على مدى الزمان حملة شعلة الهداية لأمة الحبيب صلوات ربى وسلامه عليه فخدموا دينه .. وضحوا فى سبيل ذلك بكل غال ونفيس وتحملوا الصعاب والشدائد فكانوا محل أسراره بالعلوم اللدنية المكنونة وسبب فيض هباته العلية.
ويرجع أصل الطرق الصوفية إلى عهد النبى عندما كان يخص كل من الصحابة بورد يتفق مع درجته وأحواله ... أما سيدنا على كرم الله وجهه فقد أخذ من النبى الذكر بالنفى والاثبات وهو (لا إله إلا الله) وأخذ سيدنا أبوبكر عنه الذكر بالإسم المفرد (الله) ثم أخذ عنهما من التابعين هذه الأذكار وسميت الطريقتين (بالبكرية والعلوية) ثم نقلت الطريقتين حتى إلتقتا عند الإمام أبوالقاسم الجنيد ثم تفرعتا إلى الخلوتية نسبة إلى السيد (محمد الخلوتى) والنقشبندية نسبة إلى السيد (بهاء الدين النقشبندى) رضى الله عنهما.
واستمر الحال كذلك حتى جاء الأقطاب الأربعة السيد أحمد الرفاعي والسيد عبد القادر الجيلاني والسيد أحمد البدوي والسيد إبراهيم القرشي الدسوقي وشيدوا طرقهم الرئيسية الأربعة وأضافوا إليها أورادهم وأدعيتهم.
وتوجد اليوم طرق عديدة جدًا فى أنحاء العالم ولكنها كلها مستمدة من هذه الطرق الأربعة ... إضافة إلى أوراد السيد أبو الحسن الشاذلي صاحب الطريقة الشاذلية والتى تعتبر أوراده جزءًا من أوراد أى طريقة موجودة اليوم والذي قيل عنه :
ومنها ما أُضيف لأهـل فضـلى
بنـور عـم عنـد الشــاذلى
وللسادة الصوفية شارات وبيارق وألوان يتميزون بها فيتميز السادة الرفاعية باللون الأسود .. ويتميز السادة القادرية باللون الأخضر .. ويتميز السادة الأحمدية باللون الأحمر .. أما السادة البرهانية فإنها لا تتميز بلون واحد كسائر الطرق بل تتميز بثلاث ألوان .. الأبيض الذى تميز به السيد إبراهيم الدسوقى والأصفر الذى تميز به الإمام الشاذلى .
المصدر: منتديــات البرصـــة الحبيبـــة
أشتهر بعض الصحابة رضي الله عنهم بنهج تقشفي ارتضوه لأنفسهم اختيارا ولم يحملوا غيرهم عليه ولا قالوا هذا هو الحق المحض وما سواه باطل وقام بعض التابعين على اثرهم في ذلك ثم الذين يلونهم وهكذا حتى تشكلت مدرسة اصطلح على تسميتهم بالصوفية نأت بنفسها عن الصراعات السياسية والفقهية واقتصروا على الاشتراك في الجهاد والمغازي وتذكية أنفسهم بأنواع العبادات والقربات التي لا يستطيعها الا أولو العزم من العلماء العاملين وتلقت الامة ذلك منهم بالقبول وكثر محبوهم ومعتقدو الخير فيهم وقاصدوهم استلهاما لتجربتهم فنشأ عن ذلك أقامة المساجد والرباطات الخاصة بهم وقاموا بضبط مناهجهم وتمحيص تجاربهم حتى أستوى من ذلك السند الصوفي وهو اجازة في التربية والارشاد تعطى لمستحقها الذي تأهل لها ليقوم بدوره في التربية والارشاد، ولقد سار هذا الامر على يد علماء ربانيون قاموا عليه في تجرد عظيم قل أن يجود بمثله التأريخ؛ حيث ركلوا أسباب الدعة والراحة وكرامات المناصب وصولجان السلطة وظلال المال؛ وهاجروا الي الناس في الاصقاع البعيدة والاحوال الشديدة؛ حاملين معهم رسالة الاسلام والقرءآن والسنة، فنشروا الاسلام في جهات العالم المختلفة وأسلم على أيديهم مئات الالوف وعشرات الملايين، ولا ينكر هذا الا مكابر0 وقد أعانهم الله جلت قدرته بكرامات وخوارق ظهرت على أيديهم فكانت سببا لتثبيت محبيهم وتابعيهم، وهم لم يحرصوا عليها ولم يرغبوا في اظهارها الا بقدر اظهار شكر المنعم المتفضل؛ ولما كان الجهل متفشيا وعواقب التعصب والادعاء غير مأمونة أشاروا الي ان كل ما ينقل عنهم مالم يوافق الكتاب والسنة يضرب به عرض الحائط، فذهبوا بذلك راضيين ومرضيين0
والآن كل سند صوفي له بقية وآثار وجماعة يقومون على سننه لا يضرهم من خالفهم ولا يدعون أنهم الحق الأوحد وما سواهم باطل؛ بل هم جماعة مجتهدة وفق رؤيتها؛ ومسئولة أمام خياراتها؛ تنحدر من ماضي عريق وتستشرف المستقبل والطريق0
والآن أصبحت الثقافة الصوفية متاحة لكل راغب؛ شأنها شأن غيرها من العلوم، يأخذ بحظ منها كل بحسب رغبته وهمته واستعداده لا يحجبها شرط ولا تحتكرها جماعه؛ انها ثقافة الزهد والترقي بأنواع القربات والعبادات والتحلي بمحاسن الاخلاق والصفات؛ فمن وجد الشيخ والجماعة فهو متحيز الى فئة؛ ومن لم يجد فهو كمن رأى وحده هلال رمضان؛ صام وان أفطر الآخرون0
نقلا عن منتديات أم ضوا بان
الحكمة الصوفيةالحكمة هي لطف الحيلة والوسيلة في التوصل الي المقصود وبلوغ الغاية النبيلة ؛ والقوم أهل التصوف مقصودهم ذات الله سبحانه وتعالى؛ معرفته وعبادته وحبه وطاعته والأنس به والاكتفاء به عما سواه ؛لا يبغون عنه بديلا ولا يتبعون غير سبيله سبيلا. وكلما عظمت الغاية عظمت عقباتها وبعدت مراقيها وشرفاتها . ولذلك ألف القوم المؤلفات الجزيلة وأفردوا التصانيف الجليلة ، موضحين هذه الطريقة معيناتها وعقباتها ونتائجها وثمراتها، حتى يرغب فيها الراغب من اصحاب الفطن ويسلكها السالك ممن أختصهم الله بلطائف المنن. ولقد برع من القوم في التصنيف نفر منهم الامام الهمام حجة المسلمين والاسلام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي وذلك في سفره الضخم (احياء علوم الدين) ورسالته المختصرة(منهاج العابدين) فمن وفق للاطلاع على شئ من ذلك فهو الموفق انشاء الله إلى خير كثير وخبر يقين . وانما أردت في هذه العجالة تقديم لمحة تفيد من يريد أن يستفيد أو يطلع ليستزيد فأقول مستمدا العون من الله قد ارتكز القوم الصوفية دون غيرهم على تعظيم امرالنية فكانوا يرون أن النية أفضل من العمل وبالتالي صبوا جهودهم في تحريرها وتصحيحها وتمحيصها ، فهم يعبدون الله على نية أنه أهل للعبادة ويطيعونه على نية أنه أهل أن يطاع ولا يعصونه لأنه أهل أن لايعصى وهكذا لا رغبة في جنة ولا رهبة من نار؛ قال قائلهم شتان بين من همته الحور والقصور ومن همته رفع الستور(وان تبدوا ما في انفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله). ولكيلا يتوه المريد في ميدان مفتوح أو يفقد بوصلة المسير كان لا بد من نصب هدف مادي يضعه نصب عينيه ويتحرى الوصول إليه ويقيم سيره وفقا من بعده عنه أو قربه إليه ، ذلكم هو ما أسموه مقام أو حال الأنس بالله ؛ قال قائلهم :- الأنس بالله لا يحويه بطال ولن يدخل الحمى من كان بالحيلة محتال. وهي حالة يبلغها المريد في سيره فيستوحش عن الاغيار ولا يأنس إلا بالواحد الجبار(ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين).
ولم يتركوا الامر لعظمته من غير وسائل وحمائل ، فمن وسائلهم إليه العزلة المعنوية وبها يتخلص السالك من جواذب البشر الزالقة الي معاطن الغفلة والخطر، فهي العلامة الفارقة بين التوطين والخوض مع الخائضين (وان تطع أكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون). ومن وسائل القوم ايضا تقليل الطعام لأن أمر المرء مبني على شهوتي البطن والفرج فاذا أستوفى حظه كاملا من الطعام والشراب انفتح بعد ذلك للشهوات باب والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها؛ والايقاظ هنا يكون بتكثير الطعام والشراب مع انهما غير محرمان (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين).
ومن وسائل القوم كذلك تقليل المنام حتى لا تضيع شرائف الاوقات وتفوت على المريد أوقات الفضل والنفحات مع مافي النوم من اعتياد الكسل وتأخير العمل (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون) ، ومن أركان الوسائل أيضا تقليل الكلام وهذه زينة العاقلين وسيما الواصلين ولما في الكلام من شهوة والشهوة تورث الظلمة (لا خير في كثير من نجواهم الا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس). والوسيلة العظمى لزوم الطاعات والفرار عن مراتع المعاصي وأبواب الشبهات ؛ وفق برنامج عمل يبدأ بالتوبة عن كل رزية والإقبال على الله بالكلية والمواظبة على الفرائض الأصلية مع جملة من المختارات النفلية . هذا ما تيسر من كلام القيمان وددت بسطه لسائر الاحبة والاخوان؛ وإلا فان العمدة في ذلك الاطلاع على كتب القوم المبسوطة والمسير وفق مناهجهم المضبوطة.
الفقير الي مولاه القدير:حسب الرسول الطيب الشيخ
يتبع ......
: