استطلاع لرأي الفقهاء في استخدام الشبكات اللاسلكية للجيران دون إذن
أحمد الأمين - المدينة المنورة - أحمد رافد - جدة - لطفي عبداللطيف - الرياض
ارتبطت "حياة" كثير من الناس اليوم بشبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) وما تقدمه لمستخدميها من خدمات صارت شبه ضرورية عند بعضهم من البريد الإلكتروني إلى مواقع الشبكات الاجتماعية ومواقع الأخبار العاجلة، فقلّ "صبرهم" عن استخدام هذه التقنية، ولذا نرى بعض الشباب يضيق ذرعاً حين "ينقطع عن العالم" إذا لم يستخدم شبكة الإنترنت ليوم واحدٍ.
ومع انتشار خدمات الإنترنت اللاسلكي المقدمة من شركات الاتصالات، وما صاحبها من أجهزة تبث الإنترنت لاسلكيًّا داخل المنزل أو المكتب، "فاضَ" كرمُ بثّ هذه الشبكات ليصل إلى مباني "الجيران" حاملاً معه خدمة "إنترنت" لاسلكية مجانية تلتقطها أجهزة الحاسب المحمولة والهواتف الجوالة المزودة بخاصية الاستقبال الشبكي اللاسلكي، لتتمكن من تصفح الإنترنت وتحميل الملفات دون تكلفة. وهنا تختلف آراء الفقهاء حول حكم استخدام هذه الشبكات للدخول إلى الإنترنت دون علم أصحابها، فبعض الفقهاء يرى جواز ذلك وأنه من باب حديث أبي هريرة: “لا يمنعنّ جارٌ جارهُ أن يغرز خشبةً في جدارِه" حيث لا ضرر على صاحب الشبكة في ذلك، ويرى فريق آخر تحريم ذلك لأنه استخدام لمال خاصّ دون إذن صاحبه وهو أكل لأموال الناس بالباطل.
* * "المدينة" توجهت بالسؤال د.طارق بن عبدالرحمن الحواس عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام، فأجاب: الذي أميل إليه أنه يجوز استخدام الشبكات اللاسلكية المفتوحة دون إذن أصحابها إذا كان استخدامها في الخير، وأن يستخدمها بطريقة لا تؤثر على صاحب الشبكة الأصلي ولا يحاول تحميل أشياء تثقل حركة البيانات في الشبكة، فإذا استخدمها في أشياء مباحة وفي طريقة ليس فيها تحميل فالذي يظهر لي جوازه، لأنه ليس فيها ضرر ولا خلل يتعرض له صاحب البث الأصلي.
ويقول د. الحواس: الذي أفهمه أنهم إذا فتحوا مواقع مباحة ليس فيها تحميل فغالباً لا يتأثر صاحب الشبكة، إنما يتأثر إذا كان هناك تحميل لمقاطع أو أفلام أو ملفات كبيرة الحجم، وكما لا يخفى أن صاحب الشبكة الذي لا يرغب في الإذن لغيره يستطيع تشفير الشبكة برقم سري، وما دام لم يغلقها فهذا دليل على أنه لا مشكلة لديه في ذلك. وبعض أصحاب الشبكات -والحديث للحواس- يغلب على ظنه أن الناس تحتاج ويتيح الخدمة لغيره، لأنه لا يتصور أنه لا بد أن يكونوا مستخدمين لها في نفس الوقت ويدخلون جميعاً، وهي مفتوحة على مدار الساعة، ولذلك أرى أنه لا حرج طالما أنه مباح ويدخل إلى مواقع مباحة ولا يلحق الضرر بصاحب الشبكة الأصلي بأن يدخل مواقع تضرّ صاحب الشبكة كمواقع محظورة ويدخله في مساءلات ، أي أنه ينبغي إذا كان ولا بدّ مستخدماً لها أن يدخل إلى مواقع مباحة ولا ضرر فيها.
* أما الشيخ د.علي محيي الدين القره داغي أستاذ الشريعة بجامعة قطر فقال لـ"المدينة" :رأي الشرع واضح فيه طبعاً، لأن هذا أكل لأموال الناس بالباطل دون إذن، والله سبحانه وتعالى قال: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم)، إضافة إلى أنها حقيقة فيها اعتداء على حق الجار وفي الحديث: “لا زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيوّرثه" فهو بدلاً من أن يكرمه يسرق منه من حيث لا يدري، فمن هذه الاعتبارات هذا العمل في الحقيقة عمل غير صحيح ومخالف لأحكام شريعتنا الإسلامية ومحرم وأكلٌ لأموال الناس ولا يجوز اقترافه، وإذا كان هناك شخص قد فعل هذا فعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى وأن يؤدي هذه الحقوق إلى أصحابها، بأن يذهب إليهم فإما أن يرضيهم أو يبرّئ ذمته.
* * وحول الاحتجاج بأن ترك الشبكة اللاسلكية مفتوحة مع إمكانية تشفيرها وإغلاقها يعدّ إشارة ضمنية إلى الإذن باستخدامها يقول القره داغي:
هذه الأموال خاصة والملكية فيها خاصة، والملكية الخاصة لا يجوز الاعتداء عليها بمجرد أن الإنسان يفرط في حقه، فلنفرض أن عندي سيارة وتركتها عند الباب وتركت فيها المفتاح، فأنا قد أكون مقصراً، لكن هل يبيح ذلك للآخرين الاعتداء عليها؟ هذه قاعدة فقهية أساسية أن تفريط الإنسان في حق ماله لا يبيح للآخرين أن يتجاوزوا ويعتدوا على هذا الحق، سواء كان هذا المال مالاً خاصًّا أو مال الدولة فلا يجوز الاعتداء عليه بمجرد أنه كان مفتوحاً أو وجد إهمال أبداً، فالمال الشرعي لا يجوز أكله إلا بالتراضي، أي الرضى الحقيقي لا السكوت، أعني أن يكون هناك رضىً حقيقيا إما عن طريق عقد أو عن طريق الإذن أو شيء من هذا القبيل، فأمور الملكية لا تنتهك ولا يعتدى عليها بمجرد أن الشخص قصّر في حق الحفظ، وهناك بالمناسبة مسألة أخرى فقهية: إذا كانت مثل هذه الأشياء صاحبها فرط فيها لا تقطع فيها الأيدي وإنما الحرمة ثابتة والمخالفة الشرعية واضحة ، كل ما في الأمر أن الحرز قد زال.
* د. يوسف الشبيلي الاستاذ بالمعهد العالي للقضاء قال انه لا يجوز لشخص ان يستخدم شبكة غيره إلا بإذنه لأن الاستخدام لهذه الشبكة وإن لم يزد التكلفة على صاحبها إلا أنه يضعف من سرعة دخوله وتصفحه للانترنت بسبب مزاحمته له واضاف ان عدم التشفير ليس دليلاً على الإذن لأن كثيراً من الناس لا يعرف كيفية وضع حماية تمنع من دخول الآخرين لشبكته هذا فيما إذا كانت الشبكة خاصة وأما إذا كنت في الأماكن العامة التي توفر هذه الخدمة لمرتاديها كالمطاعم والأسواق والمطارات فلا بأس بالاستفادة منها.
* من جهتة قال د. هاني الجبير انه لا حرج في استخدام شبكات الاتصال اللاسلكية المتوفرة بدون أن يكون عليها تأمين أو منع لأن ترك شبكة الاتصال بدون تأمين هو في حقيقته إباحة لمن أراد الانتفاع بهذه الشبكة وهذه الإباحة الضمنية تتيح لمن أراد استعمالها كما أنه ليس على صاحب الشبكة ضرر في ذلك ولا يقال إن ترك الشبكة دون تأمين لا يدل على الإباحة لاحتمال عدم علمه بإمكان التأمين لأن ذلك مما لا يخفى على مستعملي الاتصال والمشتركين فيه غالبًا والمظنّة تقوم مقام المئنّة. أما الشّبكات المؤمنة فإنه لا يجوز استخدامها لأنه انتفاع بحق الغير بدون إذنه الصريح ولا الضمني .
آل الشيخ : يجوز استخدام «نت» الجار إذا لم يتأثر
قال الشيخ هشام بن عبدالملك آل الشيخ استاذ الفقه بكلية الشريعة وأمين مجلس الجمعية الفقهية السعودية انه يجوز استخدام النت عبر "الويرلس" من غير المشترك في النت، من جار مشترك في الخدمة، اذا كانت متوافرة ويمكن التقاط الخدمة، بشرط ان لا تؤثر على حصول المشترك الأصلي على الخدمة أو تؤثر في قوة استخدامه لها، وقال الدكتور هشام آل الشيخ ان الشركة الموفرة للخدمة للمشترك ، وضعت له خيار ان يضع رقما سريا "باسوورد" للحصول على الخدمة بمفرده ولا يسمح لاحد غيره بالحصول عليها لانه يدفع مقابلا لها ، أو لا يضع رقما سريا للاستخدام معنى ذلك انه اجاز لغيره ان يلتقطها ، ومن ثم من التقط النت من جاره المشترك فيه ويدفع مقابل لا شيء فيه، ما دام المشترك لم يضع رقما سريا لخدمته ، اما اذا كان يؤثر على استخدامه للخدمة فلا يجوز للجار ان يأخذ منه الخدمة لانه يضره.
المصدر: جريدة المدينة