السير الاحمد فى عدم ثبوت الحركة للامام احمد

اليكم بحث من ملتقى النخبة
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم... أمابعد،،

لاشك أن الدفاع عن الأئمة والذب عنهم سواء في اعتقاد أو عمل لهو من البر بهم والاحسان إليهم وهو أقل مايفعله المسلم تجاه الأئمة رضي الله عنهم فإنهم قدأسدوا إلينا من العلم والمعرفة والتبصر بطريق الحق وسلوك طريق النجاة من أقوال مأثورة وأفعال مبرورة مايبهج النفس ويرضي الرب فجزاهم الله عنا كل خير وحشرنا بجاه نبينا صلى الله عليه وسلم-وإياكم- في زمرتهم.

وبعد :

فقد أورد بعض الحنابلة -رحمهم الله وعفا عنهم- عن الإمام أحمد أنه أثبت صفة الحركة لله تعالى ولاشك أن هذا من الخطأ على الإمام أحمد -كما سيبين لكم أحبتي- فكتبت هذا الكلام المختصر حول هذه المسألة وسأعقب عليها بإذن الله بمعتقد الحنابلة الصحيح حول صفة الحركة لله.










المسألة الأولى: مكان ورود إثبات الحركة عن الإمام أحمد.

في حد علمي أن ورود إثبات الحركة عن الإمام أحمد عمدته ماجاء في مسائل حرب بن إسماعيل الكرماني المتوفى سنة 280 هـ فإنه قد نقل عن الإمام أحمد لفظ الحركة.
ومسائل حرب الكرماني كانت موضع إحتجاج من الحنابلة فإنهم قد نقلوا في كتبهم مماجاء في مسائل حرب عن الإمام أحمد رضي الله عنه حتى قال الإمام الذهبي رحمه الله كمافي ترجمة حرب الكرماني في سير أعلام النبلاء (13/245)

"قلت -الذهبي- مسائل حرب من أنفس كتب الحنابلة وهو كبير في مجلدين"ا.هـ

وقد نقل الإمام ابن تيمية رحمه الله من مسائل حرب الكرماني ماهو موضع الإشكال

فقد جاء في درء التعارض (2/23 ومابعدها):

"وهو سبحانه بائن من خلقه لايخلو من علمه مكان ولله عرش وللعرش حملة يحملونه وله حد والله أعلم بحده والله على عرشه عز ذكره وتعالى جده ولاإله غيره والله تعالى سميع لايشك بصير لايرتاب عليم لايجهل جواد لايبخل حليم لايعجل حفيظ لاينسى يقظان لايسهو رقيب لايغفل يتكلم ويتحرك ويسمع ويبصر وينظر ويقبض ويبسط ..."ا.هـ المقصود.

فأما قوله رحمه الله : "وله حد" فالضمير راجع إلى أقرب مذكور وهو العرش ولاشك أن التحديد إنما هو للعرش والمخلوقات وأما الخالق سبحانه فلاحد له ولاكيف ولامثل ولاند

ويظهر لك أخي موضع الإشكال وهو إيراد الإمام حرب الكرماني رحمه الله من اعتقاد الإمام أحمد وغيره من الأئمة كاسحاق بن إبراهيم والحميدي وسعيد بن منصور إثبات لفظ الحركة وذلك أن الله يتحرك.

وبنحو ألفاظ حرب الكرماني نقل أحمد بن جعفر الاصطخري اعتقاد الإمام أحمد ومنها إثبات لفظ الحركة عن الإمام أحمد.

فقد جاء في طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى رحمه الله تعالى (1/61-62(:

"والله عز وجل سميع لايشك بصير لايرتاب عليم لايجهل جواد لايبخل حليم لايعجل حفيظ لاينسى يقظان لايسهو قريب لايغفل يتحرك ويتكلم وينظر ويبسط"ا.هـ

وتلاحظون التقارب والتشابه بين ألفاظ حرب وألفاظ الاصطخري وقد نص ابن تيمية رحمه الله أن هذه ألفاظ حرب فيكون إذا نقل الاصطخري من رسالة حرب واعتمد كلامه دون تمحيص .


ورسالة الاصطخري لاتثبت عن الإمام أحمد رضي الله عنه

قال الإمام الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء (11/286-287):

بعد أن نقل وصية الإمام أحمد رضي الله عنه

"فهذه الرسالة اسنادها كالشمس فانظر إلى هذا النفس النوراني لا كرسالة الاصطخري ولا كالرد على الجهمية الموضوع على أبي عبدالله فان الرجل كان تقيا ورعا لا يتفوه بمثل ذلك ولعله قاله وكذلك رسالة المسيء في الصلاة باطلة وما ثبت عنه اصلا وفرعا ففيه كفاية"ا.هـ

وقد أبطلها أيضا ابن تيمية رحمه الله لجهالة أسانيدها وسيأتي نقل كلامه

وعلى هذا يبقى موضع الإشكال ماورد في رسالة حرب الكرماني رحمه الله تعالى

المسألة الثانية: هل ثبت لفظ الحركة عن الإمام أحمد رضي الله عنه.
لفظ الحركة لم يثبت عن الإمام أحمد رضي الله عنه وهذا معلوم من أوجه:

الوجه الاول: مخالفته للثابت من كلام الإمام أحمد رضي الله عنه.
قال الإمام السفاريني رحمه الله في لوامع الانوار ( 1/261):

"وسمع الإمام أحمد رضي الله عنه شخصا يروي حديث النزول ويقول ينزل بغير حركة ولاانتقال ولاتغير حال فأنكر الإمام أحمد عليه ذلك وقال قل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كان أغير على ربه منك"ا.هـ

تنبيه:
الإمام أحمد كان يرى عدم الخوض فيما لم يكن من كتاب أو سنة وكان يأمر بالسكوت في بادئ الأمر.
ومن المعلوم من عقائد السادة الحنابلة نفي الحركة والانتقال وهذا لايخالف ماكان عليه الإمام أحمد رضي الله عنه مما نقل آنفا.

"قال أحمد في رواية حنبل: قد كنا نأمر بالسكوت فلما دُعينا إلى أمر ما كان بد لنا أن ندفع من ذلك ونبين من أمره ما ينفي عنه ما قالوه. ثم استدل لذلك بقوله تعالى: (وجادلهم بالتي هي أحسن) وبأنه قد ثبت عن رسله الجدال، ولأن بعض اختلافهم حق وبعضه باطل، ولا سبيل إلى التمييز بينهم إلا بالنظر فعلمت صحته"ا.هـ حاشية الإمام البهوتي على الإقناع (1/459 )

ولاشك أن نفي العلماء للحركة والانتقال كان دافعه الرد على من أثبت ذلك لله سبحانه.
فموقف الحنابلة ممن نفى الحركة والانتقال لايتعارض مع موقف الإمام أحمد مما تبين ذكره وإنما الإنكار على من أثبت الحركة والانتقال والله أعلم.


الوجه الثاني: موقف علماء الحنابلة من المنسوب للإمام أحمد من لفظ الحركة.

أولا: قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله في كتابه دفع شبه التشبيه (197)
"ومنهم من قال : ( يتحرك إذا نزل )ولا يدري أن الحركة لا تجوز على الخالق وقد حكوا عن أحمد ذلك وهو كذب عليه"ا.هـ

ثانيا: قال الإمام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الاستقامة (76-79):

"وكذلك لفظ الحركة أثبته طوائف من أهل السنة والحديث وهو الذي ذكره حرب بن اسماعيل الكرماني في السنة التي حكاها عن الشيوخ الذين أدركهم كالحميدي وأحمد بن حنبل وسعيد بن منصور واسحاق بن إبراهيم ....
ونفاه طوائف منهم أبو الحسن التميمي وأبو سليمان الخطابي ....
والمنصوص عن الإمام أحمد إنكار نفي ذلك ولم يثبت عنه إثبات لفظ الحركة وإن أثبت أنواعا قد يدرجها المثبت في جنس الحركة....
وقد نقل عنه في رسالة عنه إثبات لفظ الحركة مثل مافي العقيدة التي كتبها حرب بن إسماعيل وليست هذه العقيدة ثابتة عن الإمام أحمد بألفاظها فإني تأملت لها ثلاثة أسانيد مظلمة برجال مجاهيل والألفاظ هي ألفاظ حرب بن إسماعيل لا ألفاظ الإمام أحمد ولم يذكرها المعنيون بجمع كلام الإمام أحمد كأبي بكر الخلال في كتاب السنة وغيره من العراقيين العالمين بكتاب أحمد ولارواها المعروفون بنقل كلام الإمام لاسيما مثل هذه الرسالة الكبيرة وإن كانت راجت على كثير من المتأخرين"ا.هـ

فأفادنا كلام ابن تيمية رحمه الله أنه لم يثبت عن الإمام أحمد لفظ الحركة ثم عقب على مارواه الاصطخري وأنها مروية بأسانيد لاتصح عن الإمام أحمد وإن كان رحمه الله لم يسم الرسالة إلا أن مراده رسالة الاصطخري لا كتاب حرب الكرماني لأنه موضع احتجاج من الحنابلة ولذا بين رحمه الله أن الالفاظ ألفاظ حرب لاألفاظ الإمام أحمد.

ثالثا: قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في كتابه "فتح الباري شرح صحيح البخاري"(6/533)

"أهل الحديث في النـزول على ثلاث فرق:
فرقة منهم تجعل النـزول من الأفعال الاختيارية التي يفعلها الله بمشيئته وقدرته وهو المروي عن ابن المبارك ونعيم بن حماد وإسحاق بن راهويه وعثمان الدارمي
وهو قول طائفة من أصحابنا ومنهم : من يصرح بلوازم ذلك من إثبات
الحركة .
وقد صنف بعض المحدثين المتأخرين من أصحابنا مصنفاً في إثبات ذلك ورواه عن الامام أحمد من وجوه كلها ضعيفة لا يثبت عنه منها شيء"ا.هـ.

فتبين من كلامه أن ماروي عن الإمام أحمد من لفظ الحركة لايثبت منه شيء أبدا.

الوجه الثالث: أن مانقله بعضهم من اعتقاد الإمام بالحركة لله لم يذكره الائمة المعنيون بجمع كلام الإمام أحمد رضي الله عنه وهذا أجاب به ابن تيمية رحمه الله كما نقل عنه آنفا.

الوجه الرابع: أن إثبات صفة الحركة لله مخالف لمنهج الامام في إثبات صفات الله فإنه لايتعدى الكتاب والسنة والحركة لم تثبت في كتاب أوسنة.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه "فضل علم السلف على علم الخلف" من مجموع رسائل ابن رجب (3/16):

"ومنهم من أثبت للَّه صفات لم يأت بها الكتاب والسنة كالحركة وغير ذلك مما هي عنده لازم الصفات الثابتة. وقد أنكر السلف على مقاتل قوله في رده على جهم بأدلة العقل وبالغوا في الطعن عليه. ومنهم من استحل قتله، منهم مكي بن إبراهيم شيخ البخاري وغيره. والصواب ما عليه السلف الصالح من إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تفسير لها ولا تكييف ولا تمثيل: ولا يصح من أحد منهم خلاف ذلك البتة خصوصاً الإمام أحمد ولا خوض في معانيها ولا ضرب مثل من الأمثال لها"ا.هـ

قال ابن قدامة رحمه الله في كتابه "لمعة الاعتقاد" (6):

"قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل -رضي الله عنه- في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (إن الله ينزل إلى سماء الدنيا) و (إن الله يرى في القيامة) وما أشبه هذه الأحاديث نؤمن بها، ونصدق بها لا كيف ولا معنى ولا نرد شيئا منها، ونعلم أنما جاء به الرسول حق، ولا نرد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه لا نتعدى ذلك، ولا يبلغه وصف الواصفين، نؤمن بالقرآن كله مجمله ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت، ولا نتعدى القرآن والحديث، ولا نعلم كنه ذلك إلا بتصديق من الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتثبيت القرآن"ا.هـ

فدل أن الإمام أحمد لايزيد في إثبات صفات الله عما ورد وهذا واضح من كلامه.













المسألة الثالثة: معتقد الحنابلة حول صفة الحركة.

نقل الإمام أبو يعلى رحمه الله في كتابه " الروايتين والوجهين" -في مسائله العقدية بتحقيق الخلف-عن شيخه أبو عبدالله بن حامد رحمه الله تعالى أنه قال عن نزول الله أن نزول انتقال.
ففي صحيفة (60) من الكتاب : قال أبو يعلى :

"واختلفوا في صفته فذهب شيخنا أبو عبدالله إلى أنه نزول انتقال قال: لأنه حقيقة النزول عند العرب"ا.هـ

وماقاله الإمام ابن حامد رحمه الله مجانب للصواب بل هو ابتداع ومخالف لما جاء عن الإمام أحمد وماقرره الحنابلة في معتقداتهم وهذا الكلام الذي قاله الإمام أبو عبدالله الحسن بن حامد من جملة أخطائه وقد جاء عنه تفسير الاستواء على العرش بالمماسة

ولذا قال الإمام ابن حمدان النمري الحراني الحنبلي رحمه الله في "نهاية المبتدئين" (32):

"وقال ابن حامد (هو على العرش بذاته مماس له وينزل من مكانه الذي هو فيه وينتقل).
ورده ابن عقيل وغيره وخطؤوه فيه وذموه وأصابوا في ذلك دونه"ا.هـ.

قال ابن الجوزي في "دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه" (197):

"قال ابن حامد هو على العرش بذاته مماس له وينزل من مكانه الذي هو فيه فيزول وينتقل
قلت: وهذا رجل لا يعرف ما يجوز على الله تعالى"ا.هـ

فتفسير النزول بأنه حركة أو نقلة باطل لايصح

فأما الحركة فهي غير جائزة على الخالق لأنها انتقال من مكان إلى مكان آخر والله سبحانه ليس في مكان فهو سبحانه (كان ولامكان وهو الآن على ماعليه كان) ومن اعتقد أن الله بذاته في مكان فهو كافر نص عليه البلباني الحنبلي وغيره

فالأمكنة صنعة الخالق وهي محدودة مخلوقة والباري لم تلحقه الحدود قبل خلق العرش وبعده
وأما تفسير النزول بالانتقال فهو غير صحيح من وجهين:

الأول: أن معتقد الحنابلة في صفات الله التفويض والسكوت مع اعتقاد التنزيه للباري والتفسير للصفات مخالف لنهجهم.

الثاني: أن الانتقال يلزم منه وجود منتقل (اسم فاعل) ومنتقل إليه ومنتقل منه ولابد فيه من مكان وقد قررنا آنفا امتناع وجود مكان للباري سبحانه.

فمعتقد الحنابلة هو عدم تفسير النزول بل تفويض معناه إلى الله وأن نزول الباري ليس بحركة وانتقال بل هو نزول يليق به فلايلزم من النزول الحركة.

بل نقول أن (المرض نزل بمحمد) ومرادنا أنه ظهر به وليس هذا بحركة فكذا صفة الله لايزم منها الحركة.

قال التميمي في اعتقاد الإمام أحمد في حديث النزول "ولايجوز عليه الانتقال ولا الحلول في الأمكنة"ا.هـ

وقال الإمام ابن البناء في اعتقاد الإمام أحمد :"ولايقال بحركة ولا انتقال"ا.هـ

وقال القاضي أبو يعلى رحمه الله: "وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالنزول إلى السماء الدنيا والعلو لا على جهة الانتقال والحركة كما جازت رؤيته لافي جهة وتجلى للجبل لا على وجه الحركة والانتقال"ا.هـ

وقال ابن عقيل رحمه الله : " ليس بزوال ولاانتقال ولاكنزولنا"ا.هـ.

وجميع هذه الأقوال تجدها في "نهاية المبتدئين" (32):

قال الإمام الواسطي الشافعي ثم الحنبلي رحمه الله في رسالته "الاستواء والفوقية" (73):
"واستواؤه على عرشه معلوم غير مكيف بحركة أو انتقال يليق بالمخلوق بل كما يليق بعظمته وجلاله فإن صفاته معلومة من حيث الجملة والثبوت غير معقولة من حيث التكييف والتحديد"ا.هـ
والله أعلم.

مشكور الاخ احمد